فصل: المسألة السَّابِعَةُ: قَوْله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: [في المراد بالفقير]:

أَمَّا الْفَقِيرُ: فَفِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْفَقِيرَ الْمُحْتَاجُ الْمُتَعَفِّفُ، وَالْمِسْكِينَ: الْفَقِيرُ السَّائِلُ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَهِيَ:

.الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: [في باقي الأقوال في المراد بالفقير]:

قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ شَعْبَانَ.
الثَّانِي: الْفَقِيرُ هُوَ الْمُحْتَاج الزَّمِنُ.
وَالْمِسْكِينُ هُوَ الْمُحْتَاجُ الصَّحِيحُ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْفَقِيرَ الْمُحْتَاجُ، وَالْمِسْكِينَ سَائِرُ النَّاسِ قَالَهُ إبْرَاهِيمُ وَغَيْرُهُ.
الرَّابِعُ، الْفَقِيرُ الْمُسْلِمُ، وَالْمِسْكِينُ أَهْلُ الْكِتَابِ.
الْخَامِسُ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
السَّادِسُ: عَكْسُهُ؛ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ.
السَّابِعُ: أَنَّهُ وَاحِدٌ، ذَكَرَهُ لِلتَّأْكِيدِ.
الثَّامِنُ: الْفُقَرَاءُ الْمُهَاجِرُونَ، وَالْمَسَاكِينُ الْأَعْرَابُ.

.المسألة السَّابِعَةُ: قَوْله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}:

وَهُمْ الَّذِينَ يَقْدَمُونَ لِتَحْصِيلِهَا، وَيُوَكَّلُونَ عَلَى جَمْعِهَا؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَسْأَلَةٍ بَدِيعَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَالْقَائِمُ بِهِ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْإِمَامَةُ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فَإِنَّ تَقَدُّمَ بَعْضِهِمْ بِهِمْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَلَا جَرَمَ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا.
وَهَذَا أَصْلُ الْبَابِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ عِيَالِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ».
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْعَامِلُ فِي الصَّدَقَةُ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا كِفَايَتَهُ بِالْمَعْرُوفِ بِسَبَبِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَنْ الْعَمَلِ، حَتَّى لَمْ يَحِلَّ لِلْهَاشِمِيِّ، وَالْأُجْرَةُ تَحِلُّ لَهُ.
قُلْنَا: بَلْ هِيَ أُجْرَةٌ صَحِيحَةٌ؛ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا الْهَاشِمِيُّ تَحَرِّيًا لِلْكَرَامَةِ وَتَبَاعُدًا عَنْ الذَّرِيعَة، وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا أُجْرَةٌ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَلَكَهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَلَيْسَ لَهُ وَصْفٌ يَأْخُذُ بِهِ مِنْهَا سِوَى الْخِدْمَةِ فِي جَمْعِهَا.

.المسألة الثَّامِنَةُ: [فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَامِلُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ]:

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَامِلُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قِيلَ: هُوَ الثُّمُنُ بِقِسْمَةِ اللَّهِ لَهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَجْزَاءٍ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي سَبَقَ الْخِلَافُ فِيهِ، أَوْ بِالْمَحَلِّيَّةِ، وَمَبْنِيٌّ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: يُعْطَوْنَ قَدْرَ عَمَلِهِمْ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي انْبَنَى عَلَيْهِ هَذَا، وَالْكَلَامُ عَلَى تَحْقِيقِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَدَاوُد بْنِ سَعِيدٍ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ دَلِيلًا؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِسَهْمِهِمْ فِيهَا نَصًّا، فَكَيْفَ يُخَلِّفُونَ عَنْهُ اسْتِقْرَاءً وَسَبْرًا.
وَالصَّحِيحُ الِاجْتِهَادُ فِي قَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي تَعْدِيدِ الْأَصْنَافِ إنَّمَا كَانَ لِلْمَحَلِّ لَا لِلْمُسْتَحِقِّ.

.المسألة التَّاسِعَةُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ:

فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: مَنْ قَالَ: إنَّهُمْ مُسْلِمُونَ يُعْطَوْنَ لِضَعْفِ يَقِينِهِمْ حَتَّى يُقَوَّوْا، مَثَّلَهُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَالْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ.
وَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ كُفَّارُ مَثَّلَهُمْ بِعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ.
وَمِنْ قَالَ: إنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَلَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ مَيْلٌ مَثَّلَهُمْ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ.
الثَّانِي: قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ.
وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ.
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى.
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ.
وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَمِنْ بَنِي فَزَارَةَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ.
وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ.
وَمِنْ بَنِي نَصْرٍ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ.
وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ.
وَمِنْ ثَقِيفٍ الْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ.
الثَّالِثُ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو سُفْيَانَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.
وَكَانَ صَفْوَانُ يَوْمَ الْعَطِيَّةِ مُشْرِكًا.
وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ.
الرَّابِعُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَمُعَاوِيَةُ ابْنُهُ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ كِلْدَةَ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْمُعَلَّى بْنُ حَارِثَةَ الثَّقَفِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو، وَسَعْدُ بْنُ يَرْبُوعٍ، وَعَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَطُلَيْقُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ أُسَيْدَ بْنِ أَبِي الْعَيْصِ، وَشَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَامِرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ هِشَامٍ، وَهِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ، وَمُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ، وَأُحَيْحَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ، وَعَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُرْوَةَ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنُ مَالِكٍ، وَخَالِدُ بْنُ هَوْذَةَ بْنُ رَبِيعَةَ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ هَوْذَةَ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسِ بْنُ عِقَالٍ، وَقَيْسُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبٍ.
قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَلَا شَكَّ فِيهِ وَلَا فِي ابْنِهِ.
وَأَمَّا حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فَعَظِيمُ الْقَدْرِ فِي الْإِسْلَامِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ فَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنْ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْرَجَ مَا كَانَ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُؤَلَّفَةِ، فَتَصَدَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ بِهِ.
وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ فَهُوَ ابْن طَبِيبِ الْعَرَبِ وَكَانَ مِنْهُمْ.
وَلَا خَفَاءَ بِعُيَيْنَةَ وَلَا بِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ سَيِّدِ هَوَازِنَ.
وَأَمَّا سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَرَجُلٌ عَظِيمٌ، إنْ كَانَ مُؤَلَّفًا بِالْعَطِيَّةِ فَلَمْ يَمُتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا، وَهُوَ مُؤَلَّفٌ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْيَقِينِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِرَسُولِهِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إلَى مَكَّةَ مَاجَ أَهْلُ مَكَّةَ، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو خَطِيبًا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أَنْ هَذَا الْأَمْرَ سَيَمْتَدُّ امْتِدَادَ الشَّمْسِ فِي طُلُوعِهَا إلَى غُرُوبِهَا، فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَعْنِي أَبَا سُفْيَانَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حُبِسَ عَلَى بَابِ عُمَرَ، فَأَذِنَ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَصُهَيْبٌ وَنَوْعُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ، وَمَشْيَخَةُ قُرَيْشٍ: يَأْذَنُ لِلْعَبِيدِ وَيَذْرُنَا، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: دُعِيتُمْ فَأَجَابُوا، وَأَسْرَعُوا وَأَبْطَأْتُمْ، أَمَا وَاَللَّهِ لَمَا سَبَقُوكُمْ بِهِ مِنْ الْفَضْلِ أَشَدُّ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الَّذِي تُنَافِسُونَ فِيهِ؛ إلَى أَمْثَالِ هَذَا الْخَبَرِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْبَصِيرَةِ فِي الدِّينِ وَالْبَصَرِ.
وَأَمَّا حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى فَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي أَمَرَهُ، إنَّمَا هُوَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَصَحَّ دَيْنُهُ وَيَقِينُهُ.
وَأَمَّا مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زَهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ فَأُمُّهُ رَقِيقَةُ بِنْتُ أَبِي صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالِدِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، حَسُنَ إسْلَامُهُ، وَهُوَ الَّذِي نَصَبَ أَعْلَامَ الْحَرَمِ لِعُمَرَ مَعَ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَهُوَ الَّذِي خَبَّأَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِثَّاءَ، فَقَالَ: «خَبَّأْت هَذَا لَك، خَبَّأْت هَذَا لَك».
وَأَمَّا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ أَبُو أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، مُسْلِمٌ حَنِيفِيٌّ، أَمَا إنَّهُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ لِقَتْلِهِ بِمَا شَرَطَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَفْوَانَ، فَأَسْلَمَ، وَحَدِيثُهُ طَوِيلٌ.
وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو فَلَا أَعْرِفُ.
وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَكَانَ فِي أَوَّلٍ أَمْرِهِ كَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ؛ وَهِيَ شَنْشَنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ، وَمَنْ يُشْبِهُ أَخَاهُ فَلَمْ يَظْلِمْ.
حَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَانَ بِالْمِسْكِ خِتَامُهُ.
وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعٍ فَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِالصِّرْمِ، مَخْزُومِيٌّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّنَا أَكْبَرُ؟ قَالَ: أَنَا أَقْدَمُ مِنْك، وَأَنْتَ أَكْبَرُ وَخَيْرٌ مِنِّي»، وَلَمْ أَعْلَمْ تَأْلِيفَهُ.
وَأَمَّا عَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ فَلَمْ أَعْرِفْهُ.
وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ فَكَبِيرُ قَوْمِهِ، حَسُنَ إسْلَامُهُ، وَخَبَرُهُ مَشْهُورٌ.
وَأَمَّا طُلَيْقُ بْنُ سُفْيَانَ، وَابْنُهُ حَكِيمٌ؛ فَهُوَ وَابْنُهُ مَذْكُورَانِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.
وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ أُسَيْدَ بْنِ أَبِي الْعَيْصِ بْنِ أُمَيَّةَ فَلَا أَعْرِفُ قِصَّتَهُ.
وَأَمَّا شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ فَكَانَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ عَرَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ أَخَذَهُ أَفْكَلُ، فَمَسَحَ صَدْرَهُ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ.
وَأَمَّا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ الْعَبْدَرِيُّ فَهُوَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَاسْمُهُ حَبَّةُ؛ لَا أَعْرِفُهُ.
وَأَمَّا عِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرٍ فَلَا أَعْرِفُهُ، أَمَا إنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَلَسْت أُحَصِّلُ.
وَأَمَّا زُهَيْرُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ هِشَامٍ فَلَا أَعْرِفُهُمَا.
وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ فَهُوَ أَخُو خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَأَمَّا سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ فَلَا أَعْرِفُهُ.
وَأَمَّا أَبُو السَّائِبِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا مُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَلَسْت أَعْلَمُ.
وَأَمَّا أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ، وَاسْمُهُ عَامِرٌ، فَلَا أَعْرِفُهُ مِنْهُمْ، عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ فِي الصَّحِيحِ: «وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
وَقَالَ فِيهِ: «وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ بِشَرٍّ لَا خَيْرَ فِيهِ» وَرَبُّك أَعْلَمُ.
وَأَمَّا أُحَيْحَةُ فَهُوَ أَخُو صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لَا أَعْرِفُ.
وَأَمَّا نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيُّ فَلَا أَعْرِفُهُ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيُّ الْكِلَابِيُّ فَهُوَ مِنْهُمْ وَأُسَيْدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَحَسُنَ الْإِسْلَامُ عِنْدَهُمَا.
وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ هَوْذَةَ فَهُوَ وَالِدُ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ مُبَايِعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ، مِنْ بَنِي أَنْفِ النَّاقَةِ، غَيْرُ مَمْدُوحٍ.
وَالْحُطَيْئَةُ لَا أَعْرِفُ، وَكَذَلِكَ أَخُوهُ حَرْمَلَةُ.
وَأَمَّا الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَمَشْهُورٌ فِيهِمْ.
وَأَمَّا قَيْسُ بْنُ مَخْرَمَةَ بْنُ الْمُطَّلِبِ الْقُرَشِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ فَلَا أَعْلَمُهُ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو فَلَا أَعْرِفُهُ.
وَقَدْ عُدَّ فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْرِ الطَّائِيُّ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ.
اسْتِدْرَاكٌ: وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ؛ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ، وَقَدْ ائْتَمَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ وَقِرَاءَتِهِ وَخَلْطِهِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا حَالُهُ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَشْهُرُ مِنْ هَذَا وَأَظْهَرُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَصْنَافَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ؛ فَمِنْهُمْ ضَعِيفُ الْإِيمَانِ قَوِيُّ بِالْأَدِلَّةِ وَالْعَطَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ جَمِيعُهُمْ كَافِرًا؛ فَحَصِّلُوا هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ فِي الْقِصَّةِ.

.المسألة الْعَاشِرَةُ: [الاختلاف فِي بَقَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ]:

اُخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمْ زَائِلُونَ؛ قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَخَذَ بِهِ مَالِكٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمْ بَاقُونَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا احْتَاجَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَطَعَهُمْ عُمَرُ لِمَا رَأَى مِنْ إعْزَازِ الدِّينِ.
وَاَلَّذِي عِنْدِي: أَنَّهُ إنْ قَوِيَ الْإِسْلَامُ زَالُوا، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ أُعْطُوا سَهْمَهُمْ، كَمَا كَانَ يُعْطِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ الصَّحِيحَ قَدْ رُوِيَ فِيهِ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ».

.المسألة الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: [في صرف سهمهم عند القول بزوالهم]:

إذَا قُلْنَا بِزَوَالِهِمْ فَإِنَّ سَهْمَهُمْ سَيَعُودُ إلَى سَائِرِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، أَوْ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَصْلِ الْخِلَافِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُعْطَى نِصْفُ سَهْمِهِمْ لِعُمَّارِ الْمَسَاجِدِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ مَحَلٌّ لَا مُسْتَحَقُّونَ؛ إذْ لَوْ كَانُوا مُسْتَحَقِّينَ لَسَقَطَ سَهْمُهُمْ بِسُقُوطِهِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى غَيْرِهِمْ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَرْجِعْ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ.